تشهد ولاية كاليفورنيا كارثة بيئية وإنسانية جديدة مع اندلاع حرائق الغابات الهائلة، حيث أُجبر ملايين السكان على الفرار من منازلهم بحثًا عن ملاذ آمن. اشتعلت النيران في مقاطعة لوس أنجلوس بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما أثر على الأفراد والمنازل وحتى منشآت علمية حيوية، بما في ذلك مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا.
الرياح والعاصفة تزيد الوضع سوءًا
أشار حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم ، إلى أن عاصفة الرياح الشديدة تُعد المسبب الرئيسي لانتشار الحرائق بسرعة غير مسبوقة.
وأوضح أن هذه الرياح تزيد من صعوبة السيطرة على النيران، حيث تنتشر بشكل سريع عبر الأراضي الجافة بعد شتاء خالٍ من الأمطار. وأضاف أن هذا الوضع يُفاقم التحديات التي تواجه طواقم الإطفاء في محاولاتهم المستميتة للحد من الخسائر.
مختبر الدفع النفاث: منشأة حيوية في خطر
مختبر الدفع النفاث، الذي يُعتبر من أبرز المنشآت التابعة لوكالة ناسا، تأثر بشكل كبير من هذه الكارثة. أكدت لوري ليشين، مديرة المختبر، أن المنشأة أغلقت أبوابها باستثناء فريق الطوارئ. وأوضحت عبر منشور على منصة “إكس” أن النيران قريبة للغاية من المختبر، وأن العديد من الموظفين فقدوا منازلهم. ورغم أن الأضرار الناتجة عن الحريق لم تصل إلى المختبر حتى الآن، إلا أن الرياح سببت أضرارًا في البنية التحتية.
هذا المختبر يُعد مركزًا للعديد من المهمات الفضائية الأساسية، ويضم محطات التحكم بالأجهزة الفضائية التابعة لوكالة ناسا. وبالتالي، فإن أي ضرر يلحق به قد ينعكس سلبًا على برامج الفضاء العالمية.
خسائر بشرية ومادية كبيرة
تم الإبلاغ عن مقتل شخصين على الأقل وتدمير أكثر من ألف مبنى. كما أُعلن حالة الطوارئ في لوس أنجلوس، مع نشر الحرس الوطني لدعم آلاف رجال الإطفاء والسجناء الذين يشاركون في عمليات الإطفاء مقابل أجر يومي بسيط يبلغ 10 دولارات أو أقل. هذه الجهود تُظهر التحديات الكبرى التي تواجهها السلطات..
إخلاءات واسعة وانقطاع خدمات حيوية
طلبت السلطات من حوالي 70 ألف شخص إخلاء منازلهم في الساعات الماضية، وخصوصًا في منطقة هوليود، حيث أصدرت مديرية الإطفاء أمرًا قانونيًا بالإخلاء الفوري لمنطقة “هوليود هيلز” القريبة من جادة “هوليود بوليفارد” الشهيرة. وأكدت السلطات أن المنطقة أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا للحياة بسبب اقتراب النيران.
بالإضافة إلى ذلك، انقطعت الكهرباء عن ما يقرب من مليون منزل وشركة، مما زاد من معاناة السكان الذين يعانون بالفعل من انقطاع ضغط المياه اللازم لمكافحة الحرائق. وذكرت تقارير أن صنابير المياه أصبحت جافة في العديد من المناطق، مما أدى إلى استنزاف موارد الإطفاء.
جهود فيدرالية لمواجهة الأزمة
قرر الرئيس جو بايدن إلغاء رحلة كان مقررًا أن يقوم بها إلى إيطاليا، من أجل التركيز على إدارة الاستجابة الفيدرالية للأزمة. وأوضح البيت الأبيض أن بايدن زار لوس أنجلوس للقاء عناصر الشرطة والإطفاء وموظفي الطوارئ، مؤكدًا على التزام الحكومة الفيدرالية بدعم جهود الولاية.
التاريخ المتكرر لحرائق كاليفورنيا
كاليفورنيا لها تاريخ طويل مع الحرائق، حيث تتكرر هذه الكوارث بسبب الجفاف والرياح القوية والارتفاع المتزايد في درجات الحرارة. خلال العقد الماضي، ازدادت حدة هذه الكوارث بشكل ملحوظ نتيجة لتغير المناخ. وتشير الدراسات إلى أن فصول الجفاف الطويلة ودرجات الحرارة المرتفعة تسهم بشكل مباشر في زيادة عدد وشدة الحرائق.
حرائق كاليفورنيا ليست فقط مشكلة بيئية، بل هي أيضًا قضية إنسانية واقتصادية. فالتكاليف المرتبطة بإطفاء الحرائق، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، ودعم السكان الذين فقدوا منازلهم، تقدر بمليارات الدولارات سنويًا.
دور التكنولوجيا والابتكار
مع تزايد حدة الحرائق، أصبح من الضروري استثمار المزيد في البحث والتطوير للتصدي لهذه الكوارث. تقنيات مثل استخدام الطائرات بدون طيار لرصد الحرائق وتوجيه جهود الإطفاء، وتطوير مواد مقاومة للحريق للبناء، يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في تقليل الخسائر.
كما تُبرز هذه الكوارث الحاجة إلى التخطيط العمراني المستدام، حيث يجب على السلطات التأكد من أن المناطق المعرضة للحرائق تكون مجهزة بشكل أفضل لمواجهة مثل هذه الأزمات.
تشير هذه الكارثة إلى أهمية تعزيز استراتيجيات مكافحة الحرائق، وتحسين البنية التحتية لمواجهة الكوارث، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي لتطوير تقنيات جديدة للتصدي للحرائق. كما يجب على المجتمع الدولي التعاون لمواجهة تأثيرات تغير المناخ التي تؤدي إلى زيادة حدة هذه الكوارث.
حرائق كاليفورنيا تُذكّرنا بضرورة العمل الجماعي والابتكار لحماية الأرواح والممتلكات والطبيعة. ومع استمرار الجهود لإطفاء النيران، يبقى الأمل موجودًا في التغلب على هذه الأزمة وتعزيز جاهزية المستقبل.