عبد العالي الغاوي… صوت الوطن الذي لا يشيخ في ذاكرة المغاربة

بواسطة المرنيس التجاني
عبد العالي الغاوي «مسيرتنا فتح من الله»
عبد العالي الغاوي «مسيرتنا فتح من الله»

في زمن تتغير فيه الإيقاعات وتتنافس الأصوات على الأضواء، يظل الفنان عبد العالي الغاوي واحدا من تلك الأصوات النادرة التي لا تبهت مع الزمن. صوته لا يشبه أحدا، وروحه في الغناء كأنها قطعة من تراب هذا الوطن الذي غنى له طيلة مسيرته الطويلة.
ومع حلول ذكرى المسيرة الخضراء، يطل الغاوي مجددا بأغنيةٍ وطنيةٍ جديدة تحمل عنوان «مسيرتنا فتح من الله» — عمل فني يشبه الأنفاس الأولى للوطنية المغربية، ويعيد إلى الذاكرة وهج الستينات والسبعينات حين كانت الأغنية الوطنية جزءا من نبض الشعب.

من قلب الفن إلى قلب الوطن

الفنان عبد العالي الغاوي ليس غريبا عن الأغنية الوطنية. فمنذ بداياته، كان يرى في الفن رسالة قبل أن يكون مهنة، وفي الكلمة وعدا قبل أن تكون مجرد قافية.

نشأ في بيتٍ مغربي محافظٍ يعشق الموسيقى الأصيلة، وتشرب حبّ الوطن من أحاديث والده عن الاستقلال، وعن رجال ساروا في الصحراء من أجل العلم. ربما لهذا السبب حين يقف على المسرح، لا يغني فقط؛ بل يؤدي قسما فنيا صادقا يربط بين الماضي والمستقبل، بين الجيل الذي حمل الراية والجيل الذي سيحافظ عليها.

أغنية المسيرة الخضراء… نداء الروح قبل الصوت

« مسيرتنا فتح من الله » ليست مجرد أغنية جديدة في سجل عبد العالي الغاوي، بل هي تجديد للعهد مع التاريخ. الكلمات التي تبدأ بعبارة دينية عميقة ـ «مسيرتنا فتح من الله» ـ تستحضر أن النصر المغربي لم يكن صدفة، بل إيمانا وعقيدة.

- Advertisement -

مَسِيرَتْنَا فَتْحٌ مِنَ اللـه
نْخَلْدُوهَا يَشْهَدْ الزَّمَانْ
كَرَامَة و مَجْدْ جَدَّدْنَاهْ
مَسِيرَة سِلاَحْهَا القُرْآنْ…

بهذه الأبيات يبدأ الغاوي الغناء، وكأنه يمسك بخيوط الذاكرة ليعيدنا إلى سنة 1975 حين خرج 350 ألف مغربي يحملون المصحف والعلم، ويمشون على أرض لم يحررها سوى الإيمان والسلام.

العمل كله مبني على توازن بديع بين الحنين والتجديد؛ اللحن هادئ لكن شامخ، ترافقه نغمة العود كأنها تروي قصة من كتاب الأجداد، بينما الكلمات تغرس في الروح إحساسا بأن المغرب كان ولا يزال قصة عز تروى بكل فخر.

عبد العالي الغاوي… ذاكرة صوتية لوطن حي

حين تستمع إلى عبد العالي الغاوي وهو يغني، تشعر كأنك تسمع صوت الجيل الذي رفض أن يفقد إحساسه بالانتماء.
في كل نغمة من صوته دفء يشبه دفء الأم، وفي كل كلمة يؤديها صدق نادر يجعل من الفن موقفا وليس ترفا.

لم يغنِ عبد العالي الغاوي من قبل لأجل الشهرة، بل لأجل الرسالة. من «العيون عينيا» إلى «عاش المغرب»، وصولا إلى «مسيرتنا فتح من الله»، يواصل الغاوي سلسلة أغانيه التي تحمل روح الوطن وتجسد قيمة الوفاء للعهد.

في مقابلة سابقة، قال الغاوي جملة تلخص فلسفته الفنية:

- Advertisement -

«الأغنية الوطنية ما خصها تموت، لأنها ذاكرة الشعب، وما كينش شعب بلا ذاكرة.»

كلماته تختصر فيها رحلة أجيال آمنت بأن الفن قد يكون شكلا من أشكال المقاومة الناعمة.

من الماضي إلى الحاضر… المسيرة تستمر

في الأغنية، نلمس إشارة واضحة إلى رمزية البيعة والوفاء للعاهل الراحل الحسن الثاني، لكن الأغنية لا تتوقف هناك.
إنها تمتد لتعانق الحاضر في ظل القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، وكأن الغاوي يقول بصوته الحنون: المسيرة لم تنته، بل تواصلت بشكل آخر عبر مشاريع التنمية والنهوض بالمناطق الجنوبية.

وْمَلِكْنَا بْالبَيْعَة جَيْـنَاهْ
شْيُّوخْ قَبَائِلْ وْ أَعْيَّانْ
بْحَزْمْ جْدُودْنَا عَهْدْنَاهْ
فالتّاريخ تَبْكَٓى عُنْوَانْ…

بهذه الأسطر يؤكد عبد العالي الغاوي أن المغاربة لا يحيون المسيرة فقط كذكرى سنوية، بل كقيم يومية من العمل والإخلاص والتلاحم بين الشعب وملكه.

- Advertisement -

اللحن بين الأصالة والحداثة

من الجانب الموسيقي، يبرز العمل تعاونا بين أجيال من المبدعين. فالموزع اختار أن يبقي على روح الموسيقى الأندلسية التي تميز الأغنية الوطنية المغربية، مع إضافة لمساتٍ حديثة تمنح العمل نفسا عالميا من دون أن يفقد هويته.
وهنا يثبت عبد العالي الغاوي مرة أخرى أنه قادر على التجديد من دون تفريط، وأن الفنان الذي يحترم جذوره يستطيع أن يواكب الزمن بثقة.

رسالة إلى الأجيال الجديدة

يقول الغاوي في أحد لقاءاته:

«أنا ما كنغنيش باش نذكر الناس بالماضي، لكن باش نخلي الشباب يعرف أن هاد الماضي هو اللي صنع المغرب اللي كيعيش فيه اليوم.»

هذه الفلسفة واضحة في كل تفاصيل الأغنية. فهي دعوة للشباب لكي يدركوا أن الوطنية ليست كلمة تقال في الاحتفالات، بل سلوك يومي يتجسد في الصدق، والاجتهاد، وحب العمل. كأن الفنان يخاطب الأجيال التي كبرت على الإيقاعات الحديثة: «الهوية ماشي قديم ولا جديد، الهوية هي الأصل اللي كيجمعنا كلنا.»

لمسة إنسانية في كل نغمة

ما يميز عبد العالي الغاوي أنه يغني بصدقٍ إنساني نادر. حين يتحدث عن الوطن، تشعر أنه يتحدث عن بيته، عن طفولته في الأحياء المغربية البسيطة، عن الناس الذين ما زالوا يحتفلون كل نوفمبر بنفس الحماس الذي حمل أجدادهم في المسيرة الخضراء.
وفي نهاية الأغنية، حين يقول:

وْمَغْرِبْنَا فْظَلُّو وْ حِمَاهْ
نْسْكُٓو مْنْ دَمْنَا وْدْيَّانْ

تصل العبارة إلى القلب قبل الأذن، كأنها دعاء جماعي من كل مغربي يحب هذه الأرض. هي ليست مجرد كلمات، بل مرآة لشعبٍ مستعد أن يهب دمه كي يبقى المغرب آمنًا حرًّا.

من الإذاعة إلى الذاكرة الجماعية

من المرتقب أن تبث الأغنية على مجموعة من الإذاعات الوطنية منها إذاعة Medina FM في إطار برمجة خاصة بذكرى المسيرة الخضراء.
وسيتم تخصيص فقراتٍ للتفاعل مع الجمهور، حيث يتوقع أن تعيد الأغنية الدفء القديم الذي كانت تصنعه الأغاني الوطنية في قلوب المغاربة.
فالفن هنا لا يقدم كترفيه، بل كمرافقة وجدانية لحدث يجسد وحدة الأمة.

خاتمة… الفن الذي يحمل ذاكرة وطن

إن أغنية «مسيرتنا فتح من الله» ليست فقط عودةً إبداعية للفنان عبد العالي الغاوي، بل هي عودة الروح إلى أصلها. هي رسالة من فنان ناضج إلى وطن ناضج، تقول إنّ القيم لا تموت ما دامت الذاكرة حية.

في زمن كثرت فيه الأصوات وتنوعت الموضوعات، يبقى عبد العالي الغاوي واحدا من القلائل الذين يجعلون الفن وسيلة لإحياء الإحساس بالانتماء، ولتعليم الأجيال أن حب الوطن ليس نشيدا نُردده، بل موقفا نعيشه كل يوم.

لقد علمنا الغاوي أن المسيرة الخضراء ليست صفحة من التاريخ، بل حكاية أبدية من الإيمان والعزيمة. ومادام في المغرب فنانون من طينة عبد العالي الغاوي، فإنّ الأغنية الوطنية ستبقى نابضةً بالحياة، وسيبقى الوطن يغني لنفسه بصوت من لا ينسى.

شارك هذه المقالة
روابط السوشل ميديا
صحفي مهني ومبتكر برامج، يتمتع بخبرة واسعة في مجال الإعلام والتسويق. حائز على شهادات من جوجل ويوتيوب، مما يضيف بُعداً رقميًا متقدمًا لمهاراته في إعداد المحتوى وإدارة الحملات الترويجية. يتميز بقدرات عالية في التخطيط الاستراتيجي للاتصال وتقديم تجارب إعلامية مميزة، مع شغف دائم بتطوير البرامج الإعلامية وتقديم محتوى يلبي احتياجات الجمهور ويترك أثرًا إيجابيًا مستدامًا.
اترك تعليقا