منذ الإعلان عن الجزء الثاني من مسلسل “لعبة الحبار” (Squid Game)، أثار العمل ترقبًا واسعًا في الأوساط الفنية والجماهيرية. فبعد النجاح الساحق الذي حققه الجزء الأول، أصبح التحدي كبيرًا أمام المخرج هوانغ دونغ-هيوك وفريق العمل لتقديم موسم ثانٍ يحمل نفس الحبكة والتشويق الدرامي. ومع بدء عرض الجزء الجديد، يتضح أنه يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت، وإن كان لا يخلو من بعض النقاط المثيرة للجدل وتباين في الأراء بين النقاد.
السيناريو والبنية الدرامية
تميز الجزء الأول من “لعبة الحبار” ببنية درامية متماسكة وتصاعد درامي مثير، حيث تناول مواضيع مثل الفقر، وتباين الطبقات الاجتماعية، والاختيارات الأخلاقية تحت الضغط والظروف القاهرة. في الجزء الثاني، يسعى السيناريو إلى .التوسع في عالم اللعبة وكشف المزيد من الأسرار المتعلقة بالمنظمة التي تدير هذه المنافسات الدموية
الأداء التمثيلي
لا يمكن إنكار التميز الذي حققه أبطال الجزء الأول، خاصة لي جونغ-جاي في دور جي-هون وفي الجزء الثاني، يستمر لي في تقديم أداء استثنائي، حيث يتطور دوره من ضحية إلى شخصية أكثر وعيًا وتأثيرًا لكشف حقيقة هذه المنظمة وما تسعى اليه . كما يبرز أداء الممثلين الجدد، مثل الممثل الكوري يو أهن-إن، الذي أضاف عمقًا نفسيًا لشخصيته. ومع ذلك، لم تكن كل الشخصيات الجديدة مقنعة بنفس الدرجة، حيث بدت بعض الأدوار وكأنها إضافة غير ضرورية.
الإخراج والتصوير
أثبت المخرج هوانغ دونغ-هيوك مرة أخرى براعته في تقديم مشاهد قوية بصريًا ومليئة بالتوتر والغموض. التصوير السينمائي في الجزء الثاني يتجاوز التوقعات، حيث تعكس الزوايا واللقطات المختارة مشاعر الشخصيات وصراعاتها الداخلية بمهارة. كما أن استخدام الألوان والإضاءة ظل عنصرًا مميزًا يعزز الأجواء السريالية للعمل. إلا أن بعض المشاهد بدت وكأنها تميل للاستعراض البصري على حساب العمق الدرامي.
المواضيع المطروحة
يستمر الجزء الثاني من لعبة الحبار : عالم أكثر عمقًا وجدلًا بين الإبداع والنقد في استكشاف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأبعاد النفسية التي عالجها الجزء الأول، مع التركيز بشكل أكبر على مفهوم “السلطة” وديناميكيات التحكم والسيطرة والخضوع للنظام الرأسمالي. إلا أن الطرح في بعض الأحيان بدا مباشرًا بشكل قد يفقده عنصر الإيحاء الذي ميز الجزء الأول
ورغم ذلك، يظل العمل قادرًا على استثارة التساؤلات لدى المشاهدين حول مفاهيم العدالة والإنسانية
آراء النقاد والجماهير
لاقى الجزء الثاني آراءً متباينة بين النقاد والجماهير. أشاد البعض بتوسيع القصة والغوص أعمق في أبعاد الشخصيات والعالم الذي يدور فيه العمل، بينما انتقد آخرون البطء النسبي في بعض الحلقات والتشعب الزائد في السرد. جماهيريًا، أثنى المشاهدون على الأداء التمثيلي والتصوير السينمائي، لكنهم أعربوا عن خيبة أملهم من بعض الشخصيات الجديدة التي لم تكن على مستوى التوقعات. كما أثارت النهاية بعض الجدل، حيث رأى البعض أنها مبهرة ومفتوحة للتفسير، بينما شعر آخرون أنها تفتقر إلى الحماس والحبكة الدرامية.
وصفت صحيفة “الغارديان” البريطانية المسلسل بأنه، رغم البداية البطيئة للغاية، يتحول تدريجيًا إلى عرض تلفزيوني يثير لدى المشاهد شعورًا غير مريح بالعطش للدماء. هذا الوصف يعكس التوتر العاطفي الذي يحمله العمل ويبرز تأثيره المتناقض على الجمهور.
من جانبها، قدمت صحيفة “التلغراف” تقييمًا للموسم الثاني بثلاث نجوم فقط، مشبهة إياه بـ “ألبوم ثانٍ صعب يصدره نجم بوب يجد نفسه فجأة في دائرة الضوء”. يعكس هذا التشبيه التحديات التي يواجهها العمل في محاولة الحفاظ على الزخم بعد النجاح الأول.
أما صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، فقد قيمت المسلسل بأربع نجمات، مشيرة إلى أن المخرج “حقق غايته بأسلوبه الخاص”. وأوضحت الناقدة أنابيل أن “الموسم الثاني من لعبة الحبار ليس صادمًا بقدر الموسم الأول، ولكن ربما هذا هو المطلوب”. وأضافت: “من المستحيل تكرار صدمة الموسم الأول، والمؤلف هوانغ دونغ-هيوك أحسن صنعًا بعدم محاولته القيام بذلك”.
مع انتهاء الجزء الثاني، تزداد التطلعات للجزء الثالث من “لعبة الحبار”، حيث يتوقع الجمهور رؤية تعمق أكبر في قصص الشخصيات وعلاقاتها ببعضها البعض. يُنتظر أن يستمر المخرج هوانغ دونغ-هيوك في تقديم تحديات نفسية وأخلاقية أكثر تعقيدًا، إلى جانب الكشف عن خبايا جديدة في عالم اللعبة. يطمح المشاهدون أيضًا إلى رؤية تطورات درامية متجددة تجذبهم بنفس قوة الجزء الأول، دون التضحية بالرسائل الاجتماعية والإنسانية التي جعلت من العمل ظاهرة عالمية. إذا استطاع الجزء الثالث تحقيق توازن بين الإثارة البصرية والعمق السردي، فإنه قد يعيد صياغة قواعد نجاح المسلسلات في العصر الحديث.