تعديلات على مدونة الأسرة المغربية 2024 : خطوة نحو المساواة أم تهديد للقيم؟

بواسطة أميـرة فيصـل 5 دقيقة للقراءة
تعديلات على مدونة الأسرة المغربية
تعديلات على مدونة الأسرة المغربية

أثارت التعديلات الأخيرة في مدونة الأسرة المغربية جدلاً واسعاً داخل المجتمع، حيث تضمنت 139 مقترح تعديل شملت قضايا حساسة مثل تعدد الزوجات، الطلاق، الحضانة، الوصاية، والإرث. تأتي هذه التعديلات في إطار جهود المملكة لتعزيز العدالة والمساواة بين الجنسين، لكنها قوبلت بردود فعل متباينة، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد يرى فيها نقلة نوعية، ومعارض يعتبرها خرقاً للقيم الثقافية والدينية الراسخة.

المؤيدون: تعزيز حقوق المرأة وحماية الأطفال

يرى المؤيدون أن التعديلات على مدونة الأسرة المغربية تمثل خطوة إيجابية نحو تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين. من أبرز هذه التعديلات رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، الذي يهدف إلى حماية الفتيات من الزواج المبكر وإتاحة الفرصة لهن لاستكمال تعليمهن وتحقيق طموحاتهن. كما أن التعديلات المتعلقة بالحضانة والوصاية تصب في مصلحة الأطفال، حيث تضمن لهم بيئة أسرية مستقرة وآمنة تسهم في تنشئتهم بشكل سليم.

أما القيود المفروضة على تعدد الزوجات، فيعتبرها المؤيدون وسيلة لحماية الزوجة الأولى من الظلم والإساءة، وتعزيز الاستقرار الأسري. وتؤكد هذه التعديلات على ضرورة الحصول على موافقة الزوجة الأولى، ما يقلل من حالات الزواج المتعدد التي قد تسبب انقسامات عائلية ومشاكل اجتماعية.

شخصيات عامة أشادت بالتعديلات عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبَّرت الممثلة ماجدولين الأدريسي عن سعادتها بقولها: “عاش الملك”، فيما علقت الممثلة راوية بأسلوب فكاهي: “أنا عاد غادي نتزوج ونولد”، معتبرة أن التعديلات بداية لعهد جديد يوفر مزيداً من الحماية القانونية. بدورها، وصفت الفنانة جميلة الهوني التعديلات بأنها “إيجابية وتاريخية”، مشيرة إلى أنها تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية.

- Advertisement -

المعارضة: تهديد للهوية الثقافية وزيادة الأعباء

في المقابل، يرى المعارضون أن التعديلات لا تتماشى مع القيم الدينية والتقاليد الثقافية المغربية، مما يجعلها محل جدل واسع في الأوساط المحافظة. ويعتقد البعض أن القيود المفروضة على تعدد الزوجات تتنافى مع الحقوق الشرعية للرجل كما نص عليها الدين الإسلامي، فيما يعتبر آخرون أن التعديلات قد تزيد من الأعباء الاقتصادية على الأسر، خاصة فيما يتعلق بالنفقة وتكاليف الطلاق، التي قد تُثقل كاهل الرجال وتؤثر سلباً على استقرار الأسرة.

الشيخ الحسن بن علي الكتاني وصف التعديلات بأنها “دمار شامل للأسرة المغربية”، محذراً من تداعياتها على بنية المجتمع. وأشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، إلى أن “الاجتهاد الرسمي المعتمد يضيِّق على الرجل في الزواج والطلاق وحتى بعد الممات”، مؤكداً أن التعديلات تثير تساؤلات حول مدى توافقها مع الشريعة الإسلامية.

من جانبه، دعا وزير العدل السابق مصطفى الرميد إلى التريث في اعتماد التعديلات، مشيراً إلى أن بعض المقترحات قد تكون لها آثار جانبية غير مقصودة، مثل الانخفاض في معدلات الزواج وزيادة معدلات العنوسة، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على النمو السكاني واستقرار المجتمع.

الموقف الرسمي: المصلحة العامة فوق كل اعتبار

في السياق الرسمي، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أن المجلس الأعلى وافق شرعياً على مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة. وأشار إلى أن هذه التعديلات تستند إلى مبدأ المصلحة، الذي يُعدّ المقصد الأسمى للدين الإسلامي. وأوضح الوزير أن الهدف من التعديلات هو تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية ومتطلبات المجتمع، مع احترام القيم الدينية.

وأكدت الحكومة المغربية أن التعديلات جاءت بعد دراسة معمقة ومشاورات موسعة مع مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الخبراء القانونيون والدينيون ومنظمات المجتمع المدني. وأوضحت أن الهدف الأساسي هو تحسين الأوضاع القانونية للأسر وتعزيز الحماية للمرأة والطفل، بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب.

- Advertisement -

مدونة الأسرة المغربية : جدل مستمر

تبقى التعديلات على مدونة الأسرة موضوع نقاش عميق ومستمر في المجتمع المغربي، بين من يراها خطوة نحو تحديث القوانين وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن يعتبرها تهديداً للقيم الدينية والثقافية. وبينما يتأثر التأييد والمعارضة بعوامل نفسية واجتماعية وثقافية، يتطلب هذا التغيير استجابة مرنة تعزز المصلحة المشتركة وتضمن تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية والقيم المجتمعية.

وتعكس هذه النقاشات تنوع وجهات النظر في المجتمع المغربي، حيث يسعى البعض إلى مواءمة القوانين مع التحولات العصرية، فيما يتمسك آخرون بالقيم التقليدية. ومع استمرار الحوار حول هذه التعديلات، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن تحقيق التوازن بين التحديث القانوني واحترام الهوية الثقافية والدينية؟

- Advertisement -
تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا