حظيت الممثلة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي بتكريم مؤثر في افتتاح الدورة العشرين من المهرجان الدولي للسينما والهجرة في مدينة أكادير، حيث أُقيم الحدث مساء الاثنين وسط حضور نخبوي من أهل الفن والإعلام والمهتمين بالسينما. هذا التكريم جاء تخليداً لمسيرتها الفنية الممتدة لنحو خمسة عقود، قدمت خلالها المشرقي إسهامات كبيرة للمسرح والسينما والتلفزيون في المغرب، وعكست شغفها بالفن وتفانيها في تجسيد الأدوار المتنوعة التي أثرت على جمهور واسع.
مسيرة فنية حافلة بالعطاء والتميز
بدأت نعيمة المشرقي مسيرتها الفنية من خشبة المسرح، حيث شاركت في أعمال مسرحية متعددة مع فرق مشهورة مثل فرقة المعمورة وفرقة البساتين، وحققت مكانة بارزة في المسرح المغربي بفضل موهبتها المتألقة. وقدمت المشرقي أدوارًا متميزة كانت تعبّر عن عمق قدراتها الفنية ووعيها بقضايا المجتمع، مما جعلها تحظى بتقدير الجمهور والنقاد على حد سواء.
أول ظهور للمشرقي على شاشة التلفزيون كان في عام 1964 من خلال مسلسل “عائلة رام دام”، والذي يعد أحد أولى الأعمال التلفزيونية التي قدمت فيها دورًا نسائيًا رئيسيًا، مما أسهم في تعزيز مكانتها الفنية وأبرز موهبتها المتنوعة. ومن ثم تدرجت في تقديم أعمال تلفزيونية وسينمائية عديدة.
نجاحات سينمائية ورصيد فني عالمي
في مجال السينما، لمع نجم نعيمة المشرقي بمشاركتها في أكثر من 20 فيلماً طويلاً، منها أعمال عالمية إيطالية وفرنسية، وأفلام مغربية شهيرة مثل “عرس الدم”، و**”فاتن”، و“معركة الملوك الثلاثة”، و“لالة حبي”، و“زقاق السنونو”**. قدمت في هذه الأفلام أدوارًا تركت بصمة خاصة لدى الجمهور المغربي والعربي، وتميزت بقدرتها على تقديم الشخصيات بأسلوب ينبض بالحياة، ما يعكس عمق تجاربها وشغفها بالفن السابع.
وقد نالت المشرقي جائزة أفضل أداء صوتي عن دورها في سلسلة “أمينة” خلال مهرجان الإذاعة العربية بالقاهرة عام 1998، ما أضاف إلى سجلها الفني اعترافاً من نوع خاص بقدرتها على توظيف صوتها بشكل مؤثر، حيث اعتبر صوتها أحد أبرز العناصر الفنية في أدوارها، خاصة في تجسيد المشاعر والأحاسيس العميقة.
إنجازات إنسانية وأدوار قيادية
إلى جانب مسيرتها الفنية، كانت نعيمة المشرقي رمزًا للعطاء الإنساني، فقد اختارتها منظمة اليونسيف كسفيرة للنوايا الحسنة، حيث دعمت قضايا الطفولة وحقوق الإنسان في المغرب. كما شغلت مناصب قيادية، منها مستشارة لدى المرصد الوطني لحقوق الطفل، ونائبة رئيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، وعضو سابق في مجلس إدارة الهيئة العليا للسمعي البصري. عملت المشرقي من خلال هذه المناصب على تعزيز الوعي بحقوق الأطفال ودعم الفنانين وحماية حقوقهم، ما جعلها تُخلد كأحد الأسماء الفاعلة في المجالين الفني والإنساني.
نعيمة المشرقي ودعم المهرجان الدولي للسينما والهجرة
عرفت نعيمة المشرقي بتفانيها في دعم المهرجان الدولي للسينما والهجرة، وكانت من بين أوائل الفنانين الذين دعموا هذا المهرجان منذ انطلاقته. ووفقًا للمنظمين، لعبت دوراً محورياً في الترويج للمهرجان والعمل على رفع مكانته كواحد من أبرز المهرجانات الوطنية ذات البعد الدولي. كانت الراحلة تُعتبر من أهم سفراء المهرجان، حيث ساهمت بتفانيها في إبراز أهمية هذا الحدث الفني وتكريس حضوره كمحفل يروج لرسالة الفن السابع وقيمه، خاصة في ما يتعلق بقضايا الهجرة وحقوق المهاجرين.
إرث فني وإنساني خالد
لقد خلفت نعيمة المشرقي إرثاً فنياً غنياً في ذاكرة السينما والمسرح المغربيين، حيث تُعد أعمالها نموذجاً للفن المتقن. مثّلت أدوارها في السينما والمسرح صورة صادقة عن قضايا المجتمع المغربي وشخصياته المتنوعة. كما كانت تلهم الأجيال الجديدة من الفنانين بمسيرتها وأدوارها القيادية التي جسدت من خلالها شخصية فنانة شاملة تهتم بالفن والمجتمع في آنٍ واحد.
عكست مسيرة المشرقي الفن الأصيل، حيث أظهرت حباً وتفانياً قل نظيرهما في مشوارها الذي دام عقودًا طويلة. وقد تأثرت بالجانب الإنساني والاجتماعي في أعمالها، ما جعلها لا تُنسى كفنانة ورمز للعطاء الإنساني.
تكريم مؤثر وتقدير مستحق
يُعد تكريم نعيمة المشرقي في المهرجان الدولي للسينما والهجرة لحظة مؤثرة لاستذكار جهودها وإسهاماتها التي لن تُنسى. وأشاد الحاضرون بشخصيتها المتفردة ومسيرتها الغنية التي أعطت خلالها الكثير من نفسها لفنها وللأجيال القادمة. هذا التكريم ليس مجرد احتفاء بمسيرة فنية، بل هو تكريم لروح فنانة عملت بكل إخلاص وتفانٍ لدعم قضايا الهجرة وإبراز قضايا الإنسان من خلال الفن، ولإبقاء اسمها خالداً بين الأجيال القادمة.
ختامًا، يمثل تكريم نعيمة المشرقي في الدورة العشرين من المهرجان الدولي للسينما والهجرة تقديراً لرحلة عمرها ومسيرتها الحافلة بالعطاء، ليبقى اسمها خالداً في ذاكرة الجمهور وأجيال الفنانين، ويظل إرثها الفني والإنساني منارة تُضيء مشوار الفن المغربي.